في أقصى جنوب إفريقيا، حيث كانت الشمس تشرق على أرضٍ ممزّقة بين البياض والسواد، وُلد طفلٌ أسمرُ اسمه نيلسون مانديلا، لا يعلم أن القدر يخبّئ له طريقاً محفوفاً بالأشواك… طريق الحرية.
كان يرى بعينيه الصغيرتين الظلمَ يسكن الشوارع، والتمييزَ يملأ الهواء، حتى بدت السماء وكأنها تنحازُ إلى لونٍ دون آخر. لكنه لم يقبل أن يُولد ليُطيع، بل ليُغيّر.
قال ذات مرة:
“كنت أعلم أن الشجاعة ليست غياب الخوف، بل الانتصار عليه.”
كبر مانديلا، وكبر معه حلمُ المساواة. دخل ميدان السياسة لا ليحصد سلطة، بل ليزرع كرامة. وقف في وجه نظام الفصل العنصري كمن يقف أمام طوفانٍ من الكراهية، يحمل في يده سلاحاً واحداً: الإيمان بالإنسان.
وحين ضاق عليه الوطن، وأُغلقت الأبواب، وأُودع في زنزانةٍ ضيقة على جزيرة روبن، لم تنكسر روحه.
هناك، في العتمة، كان يصنع النور لنفسه ولشعبه، يقول:
“لا شيء يشبه العودة إلى مكانٍ لم يتغير، لتكتشف كم تغيّرت أنت.”
سبعةٌ وعشرون عاماً من السجن كانت كافية لتقسو القلوب، لكنه خرج منها أكثر ليناً، أكثر تسامحاً.
خرج لا يحمل ثأراً، بل رسالة، وقال للعالم:
“حين خطوتُ نحو باب الحرية، علمتُ أنني إن لم أترك مرارتي وخوفي خلفي، فسأظلّ سجيناً.”
وهكذا، صار رمزاً للحرية، لا بطلاً أسطورياً، بل إنساناً انتصر على نفسه قبل أن ينتصر على جلاديه.
أعاد لوطنه وجهه الإنساني، وصنع من المصالحة طريقاً للسلام، لا للحقد.
كان يدرك أن العدالة الحقيقية ليست الانتقام، بل أن يعيش الجميع بكرامة واحدة تحت شمسٍ واحدة.
وفي نهاية الرحلة، قال كلماته التي صارت عنواناً لحياته:
“لقد مشيتُ هذا الطريق الطويل نحو الحرية، وسأستمرّ في السير، لأن الحرية لا تنتهي عند باب السجن، بل تبدأ في قلب الإنسان.
ربما نكون فى حاجة ملحة اليوم للتسامح والانسانية



