لم تكن واقعة الاعتداء على أطفال مدرسة «سيدز» مجرد حادث فردي يمكن تجاوزه أو التماس الأعذار له. ما حدث كشف انهيارًا كاملًا في منظومة الأمان داخل بعض المدارس الخاصة، وأظهر بوضوح أن ما يسمى بالمدارس الدولية قد يحمل الاسم فقط، بينما يفتقر إلى أبسط قواعد الحماية الإنسانية قبل التعليمية. أطفال في عمر السنوات الأولى تعرّضوا لاعتداء داخل مؤسسة يفترض أنها مكان للتربية قبل التعليم، وهو ما يفرض سؤالًا قاسيًا: كيف يسمح نظام تعليمي كامل أن يصبح الطفل غير آمن داخل فصله؟ وكيف تُترك ثغرات مميتة بهذا الشكل ليتسلل منها منحرف أو متواطئ أو مهمِل؟
الحقيقة أن ما تكشفه التحقيقات لا يشير إلى خطأ عابر، بل إلى إهمال إداري يمتد من رأس المنظومة حتى أصغر موظف فيها. لا يمكن لمدرسة تضم مئات الأطفال أن تترك غرفًا مغلقة بلا رقابة، وموظفين بلا فحص جنائي، وطرقات بلا إشراف، ومساحات يمكن لأي شخص أن يخلو فيها بطفل لدقائق معدودة. هذا ليس خللًا؛ هذا انهيار إداري يسمح للجريمة بأن تتشكل في الظل دون أن يعترضها أحد. والأخطر أن هذا النوع من الإهمال يتكرر في مدارس عدة، لكنه لا يظهر إلا عندما تقع الفاجعة.
الأزمة لا تقف عند حدود المدرسة فقط، بل تمتد إلى غياب الرقابة قبل وقوع الكارثة. ردود الفعل السريعة بعد الألم مهمة، لكنها ليست كافية. الرقابة الحقيقية هي التي تمنع قبل أن تعالج، وتتصدى قبل أن يصرخ الأهالي، وتظهر كجزء من المنظومة اليومية لا كرد فعل على مأساة. إن لم تتحول وزارة التربية والتعليم إلى جهة رقابية صارمة تعمل طوال الوقت، لا موسميًا، فلن تكون سيدز آخر القصص المؤلمة.
أما الأطفال الضحايا، فهم الآن تحت الفحص الطبي والنفسي، لكن ما تعرضوا له لن يمحوه بيان رسمي ولا مؤتمر صحفي. هؤلاء الأطفال سيحملون آثارًا نفسية تحتاج إلى علاج منهجي طويل، بينما الأهالي يعيشون في قلق وحيرة بين معلومات منقوصة وبيانات رسمية باردة ومتأخرة. كيف يمكن للثقة أن تعود إلى مؤسسة لا تصارح أهل الطفل ولا توفر له حماية واضحة أو منظومة أمان حقيقية؟
الحلول ليست مجهولة، لكن الإرادة هي المفقودة. حماية الأطفال يجب أن تكون خطًا أحمر لا يُساوم عليه، ولا يُدار بمنطق المسكنات المؤقتة. بداية الحل أن تخضع المدارس لنظام فحص جنائي صارم وملزم لكل موظف دون استثناء، وأن تُعتمد منظومة رقابية شاملة بالكاميرات والإشراف الفعلي في كل زاوية دون أماكن معزولة. كما يجب أن تكون هناك وحدة حماية نفسية وتعليمية داخل كل مدرسة تتعامل بجدية مع أي مؤشرات خطر، وتستقبل الشكاوى بسرية واحترام. ولا بد أن تتحول الرقابة الحكومية إلى زيارات تفتيش مفاجئة تحمل صلاحيات واضحة، تصل إلى وقف الترخيص فورًا عند أي تقصير يهدد سلامة الأطفال. ويبقى توعية الأطفال جزءًا أساسيًا من الحل، فطفل يعرف كيف يحمي جسده وكيف يطلب المساعدة أقوى من جدران مدرسة بلا وعي.
ما جرى في سيدز يجب ألا يُفهم كقصة مؤسفة وانتهت، بل كتحذير قاسٍ لمنظومة كاملة تحتاج إلى إعادة بناء. السؤال الآن: هل نملك الشجاعة لنعترف بحجم الخلل، أم نكتفي بغضب اللحظة ثم نعود لما كنا عليه؟ ما لم تُطبق حلول جذرية تُعيد تعريف مفهوم الأمان داخل المدارس، سنكون جميعًا شركاء في ترك الباب مفتوحًا لمأساة جديدة



