الكاتب الصحفى حامد المحلاوى يكتب لكم عن أبناء حضرموت

أكثر من ثلث المسلمين يدين بالفضل لهم في دخول الإسلام

الإسلام انتشر بكثافة في منطقة شرق آسيا البعيدة مثل بلاد الصين والهند وماليزيا والفلبين وغيرها مع أنه لم يرد في التاريخ أن هذه البلاد تعرضت لأي نوع من الفتوحات أو الغزوات الإسلامية إطلاقا .. الغريب في الأمر أن أعداد المسلمين هناك فاقت مثيلاتها في منطقة الجزيرة العربية ( مهد الإسلام ذاته ) وبأضعاف كثيرة .. بل إنهم تخطوا نصف المليار مسلم .. فما السبب ؟ ..

ولمن يعزي الفضل في ذلك ؟ ..الفضل راجع إلى أهل حضرموت .. أو ما يطلق عليهم باللفظ الدارج ” الحضارم ” ..

فهم أول من وطئ هذه البلاد من العرب من خلال عملهم كتجار بارعين لا يشق لهم غبار .. معروف عن الحضارم أنهم يعشقون العمل والتنقل للبحث عن مواطن الرزق ويعملون بأيديهم ويشرفون على تجارتهم ويديرونها بأنفسهم ..

لكنهم لم يكونوا كبقية التجار .. فقد حملوا معهم أخلاق الإسلام حيث اتصفوا بالصدق والأمانة والنظافة وحسن المعاملة ..

لذلك كانوا هم أول من مهد لفكرة قبول الإسلام كدين يحمل هذه الصفات النبيلة في تلك البلاد ..

ولما وجد الحضارم الترحاب من أهلها شجعهم ذلك على الهجرة والإقامة الدائمة هناك بل وتزاوجوا منهم واختلطت الدماء وحصل التفاعل الحضاري والتأثر بالعادات وحتى تبادل مفردات اللغة ..لكن العامل الحاسم الذي أدى إلى انتشار الإسلام بقوة دفع كبيرة كان انتقال علماء حضرموت إلى تلك البلاد ..

ففي الهند مثلا عندما وجد علماء حضرموت أن علماء الهند مهتمون بعلوم الفلسفة وخاصة فلسفه اليونان وكذا الفنون نجحوا في اجتذابهم كذلك إلى علوم القرآن والسنة مع صعوبته ..

أيضا اهتموا ببناء المساجد والمدارس الدينية .. المؤكد أنه بسبب علماء وأبناء حضرموت امتد شعاع الإسلام إلى أقصى الشرق الآسيوي من غير أن يشهروا سيفا ولا أن يجيشوا جيشا .. بفضلهم دخل ملايين البشر هناك إلى الإسلام أفواجا ..

الحضارم موجودون في المملكة العربية السعودية بكثافة والسعوديون يكنون لهم كل الاحترام .. فقد ساهموا بشكل فاعل وقوي في إقامة الحضارة الحديثة التي تنعم بها المملكة الآن ..

شاركوا في إنشاء الطرق والكباري والمباني الحديثة وأحدثوا رواجا تجاريا كبيرا هناك حتى قبل ما عرف ب ” الطفرة ” التي حدثت في منتصف سبعينات القرن الماضي ..

لذا اختصهم الملك عبد العزيز وميزهم عن غيرهم وأعطاهم حق الإقامة والتملك وميزات أخرى كثيرة وسار على ذلك أبناؤه أيضا ..

أما في مصر فكان للحضارم وجودا محدودا قديما في عهد الخليفة عثمان بن عفان عمل جلهم في القضاء ..

وفي العصر الحديث كان أكثرهم شهرة على الإطلاق الشاعر والروائي المبدع والكاتب المسرحي على أحمد با كثير ( ولد في إندونيسيا ) وهو الذي أقام في مصر إقامة دائمة حتى أن كثيرا من المصريين ظنوا أنه مصري ..

غنت له أم كلثوم 7 قصائد في فيلم سلامة وكرمه الرئيس جمال عبد الناصر .. ومن حسن الطالع أنني تعاملت مع هؤلاء الناس عن قرب عندما كنت أعمل في جدة لفترة طويلة وزاد من معرفتي بهم قربي منهم في العمل والسكن ..

كان هناك جار حضرمي ملاصق لنا تماما في المنزل الذي كنت أسكن فيه أنا وأسرتي ..

كنا حذرين منهم في بداية الأمر لما أشيع عنهم أنهم حريصون بخلاء ومنغلقون ولا يحبون الاندماج مع غيرهم .. لكن جوارنا لهم دحض كل تلك الأقاويل .. فلم نجد إلا أناسا غاية في الرقة والاحترام ..

بل والكرم في حده المعقول دون إسراف ولا مبالغة ثم النظافة والهدوء والجيرة الحسنة وكل الصفات الطيبة الجميلة ..

وأختم مقالي بموقف طريف لكنه زادني معرفة بخصائص وطبائع الشخصية الحضرمية .. فقد كنت أتسوق بصحبة أحد أعمامي الذي كان يأتي وأسرته كل عام لأداء العمرة ويقضي أسبوعا في ضيافتي .. أقل ما يوصف به أنه بارع جدا في العمل التجاري ..

كنا نتسوق في أحد أسواق جدة الشعبية التي يوجد بها التجار الحضارم .. أنا أعرف عمي تاجرا شاطرا يجيد فن المناورة ويعرف أساليب التجار جيدا ..

وطبعا التجار الحضارم مشهود لهم بالذكاء الشديد ويلتقطون الزبون من بعد ..

دخلت معه إلى أحد المحال وانتظرت مباراة مشوقة ممتعة في فن المناورة وتكتيكات التجارة ..

التقطوا أول الخيط وعرفوا أن الزبون ليس زبونا عاديا ..

ولكنهم لا يدعون الزبون يفلت من أيديهم تحت أي ظرف .. ولما اشتدت المساومة افترش عمي الأرض وجلس طالبا منهم أن يرى الفواتير ويقرر إعطاءهم النسبة التي يراها هو ..

كانوا مبتسمين ضاحكين فرحين جدا من هذا الزبون الذي جاء من بعيد ليغالب التجار الحضارم ! ..

فوجئت بهم ينفذون له طلبه بعد ما كنت على يقين تام أن عملية البيع هذه لن تتم إطلاقا .. فبكياستهم ولباقتهم أعطوه ما أراد حتى ولو كان بربح قليل .. أدركت منها شيئا مهما .. أن الشخصية الحضرمية قادرة على استيعاب الغير مهما امتلك من ذكاء وقدرة .. وعليه لم أستغرب ما حققوه من أمجاد ..