المناظر البشعة التي ترد إلينا من السودان غطت وزادت عما شهدناه في أية نزاعات أخرى .. الغريب أنها تأتي على عكس ما ألفناه من طبائع هذا الشعب المسالم الطيب ..
جمعنا العمل والجوار بكثير من الجنسيات العربية لكن بأمانة لم أجد أكثر من الإخوة السودانيين قربا منا .. حيث العشرة الطيبة والتقارب الكبير في العادات والتقاليد والمشاعر الواحدة المشتركة .. ومع ذلك كنت أستشعر أن لديهم عتب وغضب مكتوم تجاه أشقائهم المصريين .. هم يقولون إنهم يحبون مصر جدا ويعرفون عنها كل شيء ويأخذون علينا أننا لا نعلم عن السودان إلا النذر اليسير .. ثم إن في حلوقهم غصة ومرارة شديدة من استخدام الإعلام المصري – وحتى بعض المسئولين – كلمة ” اللاجئين ” على السودانيين المقيمين منهم في مصر سواء بسبب الحرب الأهلية قبل الانقسام أو لطالبي الرزق ولقمة العيش .. لا يصرحون بهذا لكنهم يرون أن صفة اللاجئين لا تليق بهم تحديدا لأنهم يعتقدون أنهم أصحاب بلد وكانوا يأملون أن ننتبه إلى مثل هذه الكلمات التي تؤذي مشاعرهم .. ناهيك طبعا عن الأفلام المصرية القديمة التي كانت تحصر أبناء البشرة السمراء في وظائف الخدم والبوابين فقط .. لا يليق ! ..
حكى لي زميل سوداني أنه حدث تناوش في منطقة حلايب وشلاتين ( في التسعينات ) بأن تعدت مجموعة من الجنود السودانيين الخط الفاصل ولم يكونوا يتوقعون أن تطلق عليهم قوة الحماية المصرية النار ليصب البعض منهم فيأمر قائد القوة المصرية جنوده بحمل إخوانهم السودانيين لإسعافهم وعلاجهم فورا في المستشفى المجهز ثم عودتهم إلى قاعدتهم مرة أخرى .. وربما لا يعلم كثيرون أن الجنود المصريين والسودانيين كانوا حريصين على تناول الإفطار معا في شهر رمضان وكذلك صلاة المغرب والعشاء ثم التراويح في جماعة ! .. شيء عجيب ! ..
إذن الموضوع أكبر بكثير من أية خلافات .. فالمؤكد أن مصر والسودان بلد واحد وشعب واحد ومصالح واحدة ومصير واحد بالفعل وليس مجرد كلام يتردد أو شعارات فارغة من المضمون
………………. أثق أن مصر وقيادتها الحكيمة الراشدة لن تترك السودان ليتعرض للتقسيم مرة أخرى رغما عن أنف قادته



