بقلم / سيد الأسيوطي
في كل موسم انتخابي يخرج علينا نوع جديد من “تجار السياسة”، الذين لا يختلفون كثيرًا عن تجار الوهم في أي مجال آخر.
لكن خطورة هؤلاء أنهم لا يبيعون مجرد سلعة مغشوشة، بل يبيعون أحلام الناس وثقتهم في مستقبل الوطن.
أولًا: شعارات بلا برامجترى بعض الأحزاب والمرشحين يتسابقون إلى إطلاق شعارات رنانة من نوع “نحن صوت الغلابة”، “نحن الحل”، “المستقبل معنا”.
غير أن هذه الكلمات، رغم بريقها، تفتقر إلى أبسط الأسس: برامج واقعية، خطط قابلة للتنفيذ، ورؤية وطنية تتكامل مع الدولة ومؤسساتها.
فيتحول الشعار إلى مجرد ستار يخفي وراءه فراغًا سياسيًا خطيرًا.
ثانيًا: استغلال الفقراء ومحدودي الدخلال أخطر أن بعض القوى السياسية تستغل حاجة الفقراء ومحدودي الدخل، فتبيع لهم الوهم بوعود براقة عن تحسين معيشتهم فورًا أو منحهم امتيازات شخصية.
وكأن السياسة تحولت إلى سوق للمساومات الرخيصة، بدلًا من أن تكون مجالًا لخدمة الناس ومصالحهم العامة.
ثالثًا: المتاجرة بالمرشحين أنفسهم الكثير من المرشحين، خاصة من الطبقات المتوسطة أو الفقيرة، يضطرون إلى الاستدانة وتحمل ديون ضخمة لتغطية تكلفة الحملات الانتخابية، من بوسترات ورسوم ومستندات وغيرها.
وهنا يتحولون من مواطنين راغبين في خدمة وطنهم إلى أسرى لديون وأوهام، في حين أن بعضهم في الأصل مستفيد من دعم الدولة في برامج “تكافل وكرامة”!
رابعًا: النتائج الكارثية هذه الممارسات تترك آثارًا مدمرة على الحياة السياسية: تشويه صورة العمل الحزبي.
فقدان المواطن ثقته في الانتخابات كوسيلة للتغيير.
عزوف الشباب والطبقات الواعية عن المشاركة، ما يفتح الباب أمام مزيد من الفساد.
خامسًا: الوهم الحزبي ومن باب الوضوح والصراحة، فإن بعض الأحزاب والقوى السياسية التي لا تمتلك قاعدة جماهيرية حقيقية ولا قيادات طبيعية يعرفها الناس في الشوارع والقرى والنجوع، بل وليس لها أي وجود يُذكر في أغلب المحافظات – إن لم يكن جميعها – عليها أن تتعامل بواقعية.فالجميع يعلم، من الدولة وأجهزتها إلى المواطنين البسطاء، من له دور وطني ملموس، ومن هو مجرد اسم على ورق.
بل إن بعض هذه الكيانات لا يُذكر حتى في كتب “المطبخ السياسي”، وكأنها لم تولد أصلًا! سادسًا: أحزاب وهمية وقيادات عائليةومن المؤسف أن بعض الأحزاب الورقية أو العائلية أو “الشلالية” التي لا تمتلك أي دور حقيقي على الأرض، يترأسها أحيانًا أشخاص يتصفون بالنرجسية أو الاستعلاء النفسي، والغريب أنهم يرفعون شعارات براقة عن الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، بينما لا يعرفون عن هذه الشعارات سوى الاسم.
المناصب القيادية في هذه الأحزاب غالبًا تكون مقسّمة بين الزوجة والأبناء والأصهار وأبناء العم، وكأنها شركات عائلية للوجاهة الاجتماعية فقط. ومن باب السخرية، بعضهم يظن بكل ثقة أنه لا يحتاج إلى الترشح أصلاً، بل يستحق التعيين مباشرة من مؤسسة الرئاسة! ويعتقدون أن وجود الحزب العائلي أو حزب “الرجل الواحد” سيضمن لهم كرسيًا واحدًا على الأقل، بينما الواقع أن هذا النمط يدمر الحياة السياسية ويبعدها عن الممارسة الوطنية الحقيقية.
وللأسف، تكشف بعض التقارير الإعلامية والممارسات المثيرة للجدل أن هناك قيادات حزبية استغلت بعض المرشحين أو المواطنين بحجة دعمهم للترشح أو ضمان مقاعد، مقابل مبالغ مالية أو وعود كاذبة.
وهذا يعكس وجود خلل حقيقي في منظومة العمل الحزبي، ويؤكد أن الدولة والمواطنين بحاجة إلى وعي نقدي أكبر لضبط هذه الممارسات.
سابعًا: طريق الإصلاحالحل يكمن في:تشديد الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية.نشر الوعي بين المواطنين ليفرقوا بين المرشح الجاد وبائع الأوهام.
فضح الفاسدين سياسيًا وإعلاميًا بلا تهاون.تقديم دعم عادل للمرشحين الوطنيين حتى لا يكون المال هو الفيصل.
النصب السياسي إذن ليس مجرد مشكلة انتخابية عابرة، بل تهديد مباشر لثقة المواطن في الدولة والعمل العام.
والتصدي له ضرورة لحماية التجربة الديمقراطية نفسها من الانهيار.
حفظ الله الوطن، وحفظ الله الجيش والشرطة درع وسيف الأمة، وتحيا مصر بوحدتها دائمًا وأبدًا رغم أنف المفسدين والمتلاعبين بأحلام البسطاء.