القرار الأخير بخفض سعر الفائدة بهذه الصورة المتسارعة والمفاجئة شكّل صدمة عنيفة لقطاع واسع من المواطنين، خاصة أصحاب المعاشات والعاملين السابقين بالخارج الذين عادوا ليستقروا في مصر بعد سنوات طويلة من الغربة. هؤلاء الناس وضعوا مدخراتهم في البنوك على هيئة ودائع، آملين أن تعينهم على تسيير حياتهم اليومية، وتغطية احتياجات أسرهم، من مصاريف الجامعات، والإيجارات، والعلاج، وحتى أبسط متطلبات المعيشة.
لكن مع الانخفاض المفاجئ في الفائدة، أصبح العائد على هذه المدخرات لا يكفي حتى لتغطية نصف ما كانوا يعتمدون عليه. أصحاب المعاشات على سبيل المثال، كانوا يخططون لمستقبلهم بناءً على دخل ثابت من الفوائد، فإذا بهم يجدون أنفسهم فجأة في مأزق حقيقي. كيف يمكن لمسن يعيش على الدخل الثابت أن يواجه تضخم الأسعار، وهو يشاهد دخله يتآكل أمام عينيه؟
الواقع أن الحكومة أعلنت أن التضخم انخفض من 36% إلى حدود 15%، لكن ما يشعر به المواطن البسيط في السوق مختلف تمامًا. المواطن يواجه زيادات متواصلة في أسعار الغذاء والدواء والإيجارات والملابس، حتى أن البعض أصبح عاجزًا عن ملاحقة أبسط احتياجات الحياة اليومية. الفجوة بين الأرقام الرسمية وما يعيشه الناس على أرض الواقع أصبحت شاسعة، وهو ما يثير حالة من الغضب والاحتقان.
الأزمة لا تقف عند حدود أصحاب المعاشات فقط. الشباب الذين عادوا من الخارج بعد سنوات من الكدح والغربة، قرروا استثمار أموالهم في ودائع مصرفية لتأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم. اليوم يجدون أنفسهم في وضع صعب، بعدما فقدوا الأمان الذي ظنوا أنه مضمون من الفوائد البنكية. كيف سيدفعون إيجارات الشقق لأبنائهم في الجامعات؟ كيف سيتحملون تكاليف المستشفيات والعلاج؟
المحصلة أن المواطن أصبح يعيش تحت ضغط لم يعد يُحتمل. الأكل، الشرب، الملبس، المسكن، العلاج، التعليم، كلها تحولت إلى عبء ثقيل. ومع كل خطوة جديدة من السياسات المالية غير المدروسة، يزداد العبء على الطبقة المتوسطة والفقيرة، في حين يزداد شعور الناس بأنهم تُركوا وحدهم يواجهون المجهول.
إن تخفيض الفائدة بهذا الشكل لم يكن مجرد قرار اقتصادي تقني، بل كان صدمة اجتماعية وإنسانية بكل المقاييس. ومن هنا يبرز السؤال: من يحمي المواطن البسيط من تبعات هذه القرارات؟ وكيف يمكن استعادة التوازن بين الإصلاح الاقتصادي وحماية المجتمع من الانهيار؟



