رغم ما حققته الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة من إنجازات ومواجهة تحديات كبرى ومحاولات لضبط أداء العملية الانتخابية وتطوير البنية التشريعية، يظل المال السياسي أحد أكثر العوامل التي تشوّه الإرادة الشعبية وتُربك المشهد العام، على الرغم من وجوده فى دول كثيرة كبرى إلا ان تداعياته تختلف من مكان إلى آخر وليس لأنه قوة قانونية، بل لأنه سلطة موازية تتسلل من بين ثغرات المجتمع والاقتصاد والسياسة.
التخلص من هذا النفوذ لا يتحقق بقرار واحد، بل برؤية شاملة تبدأ من المجتمع وتنتهي عند صندوق الاقتراع.
✏️أول خطوة في تفكيك هيمنة المال السياسي هي تحصين الوعي العام.
فالمواطن الذي يدرك قيمته السياسية لا يبيع صوته، والمجتمع الذي يمتلك معايير أخلاقية صلبة لا يسمح بتحويل الانتخابات إلى سوق مفتوحة.
الوعي هنا ليس مجرد خطاب، بل برامج تدريبية، حملات إعلامية ذكية، ومحتوى رقمي مبتكر يفضح أساليب شراء الأصوات ويُشعر المواطن بأن صوته جزء من مستقبل وطن لا يمكن التفريط فيه.
✏️ولأن المال السياسي يجد بيئته الخصبة في المناطق الأكثر احتياجًا، تأتي الخطوة الثانية عبر تجفيف منابع الفقر وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية.
وهنا يظهر دور التكافل الاجتماعي كحائط صد حقيقي؛ فوجود جمعيات أهلية جادة، ومؤسسات مجتمع مدني قوية، وبرامج تضامن رسمية وغير رسمية قادرة على سد احتياجات الفئات الفقيرة، يجعل المواطن أقل عرضة للابتزاز، ويمنع استغلال احتياجه من قِبل من يسعون لشراء صوته.
حين يشعر المواطن بالأمان الاجتماعي، يصبح القرار الانتخابي حرًا لا تقيده الظروف.
✏️أما على المستوى التشريعي، فالمطلوب ليس فقط قوانين صارمة، بل قوانين قابلة للتنفيذ.
تشديد العقوبات على شراء الأصوات، فرض سقف حقيقي للإنفاق الانتخابي، وإلزام الحملات بالكشف المالي خطوات ضرورية، لكنها تفقد معناها إن لم يصاحبها جهاز رقابي مستقل قادر على الرصد الفوري والتحقيق في شبهات التمويل غير المشروع.
✏️ويمتد الإصلاح إلى إعادة تعريف دور الأحزاب السياسية.
فالحزب الذي يفتقر إلى التنظيم والقاعدة الشعبية يلجأ للمال ليصنع لنفسه حضورًا، بينما الحزب القوي ببرنامجه وكوادره يتقدم عبر الإقناع لا عبر الشراء.
دعم برامج بناء الكوادر وتوسيع العمل السياسي يعيد المنافسة إلى مسارها الطبيعي ان امانه التثقيف فى اى حزب دورها بناء الوعى السياسي الى جانب اعداد كوادر حقيقيه تستطيع البناء وليس اختيارات جاهزة لشغل مقاعد برلمانية لان مفهوم المشاركة السياسيه اعمق بكثير .
✏️كما أن الشفافية الرقمية أصبحت السلاح الأكثر فاعلية.
بناء منصة إلكترونية وطنية ترصد في الوقت الحقيقي كل نشاط انتخابي، كل إعلان، كل تمويل، وكل تجاوز، يحدّ من قدرة المال السياسي على العمل في الظلام، ويجعل المواطن جزءًا من الرقابة.
✏️وفي النهاية لن يختفي المال السياسي بين يوم وليلة، لكنه يتراجع حين تتكاتف ثلاث قوى: دولة تمتلك الإرادة، مجتمع واعٍ محصّن بالتكافل الاجتماعي، ونخبة سياسية محترفة تمتلك بدائل محترمة.
حينها فقط يتحول صندوق الانتخابات إلى مساحة تنافس حقيقي، لا إلى مزاد علني.
✏️هذه الرؤية ليست حلمًا، بل مسارًا واقعيًا يُبنى تدريجيًا، ويضمن أن تعكس الانتخابات مستقبل مصر كما يريده شعبها… لا كما يخطط له أصحاب المال والنفوذوهذا الطريق وإن طال، فهو ممكن… وإن تعثّر، فهو واجب… لأن الوطن لا يُبنى بثمنٍ يُدفع، بل بوعيٍ يُرفع، وكرامةٍ تُصان، وإرادةٍ لا تُشترى



