ا_د حاتم شافعي
أستاذ النحت بقسم التعبير المجسم
بكلية التربية الفنية جامعة حلوان
التمثال القائم عند مدخل طريق مصر–إسكندرية الصحراوي ليس مجرد كتلة من المعدن أو علامة ضخمة على أطراف الطريق، بل هو أثر بصري معماري يتجاوز فكرة النصب إلى كونه تجربة وجودية كاملة. إن هندسته المثلثية المتكسرة التي تشكل جسده الضخم ليست حلًا تشكيليًا عابرًا، بل هي الترجمة النحتية الأكثر صدقًا لفلسفة المتحف المصري الكبير، حيث يلتقي الفن بالمعمار في وحدة جمالية واحدة. إن من يشاهد التمثال من داخل السيارات المسرعة بسرعة تقارب ستين كيلومترًا لن يتمكن من استيعاب جميع تفاصيله البنائية الدقيقة، لأن العناصر الهندسية المتعددة تتلاشى في سرعة الحركة، غير أن البورتريه المصري القديم يظل حاضرًا في جوهر الرؤية، ويصبح الضوء والظل المتولدان من تداخل الأوجه المثلثة على الجذع هما النص البصري الحقيقي الذي يترسخ في الذاكرة.
إن العلاقة هنا بين المعمار والتشكيل علاقة جدلية؛ فكما يتأسس المتحف على التكوينات المثلثية ككتابة معمارية للنور والظل، يتأسس التمثال على نفس المنطق التشكيلي، ليكون امتدادًا بصريًا وروحيًا له. ارتفاع التمثال البالغ سبعة وعشرين مترًا يتناغم مع عرض الطريق الذي يبلغ مئة وأربعين مترًا، ليخلق توازنًا مدروسًا بين الكتلة والفضاء، وبين الرمز والواقع. ليس هو مجرد صورة فرعونية أعيد إنتاجها، بل هو خطاب معماري–تشكيلي يعيد قراءة ملامح الماضي عبر لغة معاصرة.
هذا التلاقي بين العمارة والنحت يفتح أمامنا أفقًا جديدًا لفهم الإبداع: فالهندسة ليست علمًا جامدًا، والتشكيل ليس تعبيرًا معزولًا، بل كلاهما لحظة واحدة تتجلى فيها الروح الإنسانية في أسمى صورها. إن التمثال يدفعنا إلى إعادة التفكير في معنى النحت المعاصر، في كيفية أن يتحول الحجر إلى نص بصري متحرك يُدرك في السرعة ويستقر في الوجدان، وكيف يمكن للعمل الفني أن يتجاوز حدود المشاهدة المباشرة ليصبح محفزًا لإبداع جديد.
إنه ليس مجرد تمثال، بل دعوة إلى قراءة المعمار كفن، وقراءة النحت كفكر، واعتبار أن الجمال الحقيقي يكمن في تلك اللحظة التي يتوحد فيها العلم والشعر، الهندسة والخيال، الطريق العابر والذاكرة الباقية.