على مدار ثلاثين عامًا، خاضت عالمة المصريات الدكتورة إيناس الشافعي رحلة بحث شاقة ومتفردة، لم تكن فقط رحلة علمية بل أشبه ما تكون بسفر عقائدي في ذاته؛ بحثًا عن اسم النصوص الهيروغليفية المدونة لأول مرة كاملة داخل هرم الملك “أوناس” آخر ملوك الأسرة الخامسة، في منطقة سقارة مهد الحضارة المصرية القديمة.
هذا الاكتشاف الذي كشفت عنه أطروحة الدكتوراه التي قدمتها الدكتورة إيناس بعنوان:”كتاب سفرت حتبت بهرم أوناس” لم يكن اكتشافًا عادياً، بل جاء ليرجّ أرض العلم رجًّا، ويعيد صياغة الفهم التاريخي لأصول النصوص العقائدية في مصر القديمة، ويؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر هي موطن أول أسفار العقيدة في تاريخ الإنسانية.
_الكلمة التي أخفاها الغرب… “سفرت حتبت”_ في أعماق هرم أوناس، ظهرت مصطلحات لم يسبق ترجمتها أو توثيقها بوضوح من قِبل علماء الغرب، أبرزها المصطلح الغامض “سفرت حتبت” .
وعبر تتبع أكاديمي دقيق، وجدت الدكتورة إيناس أن هذا المصطلح قد دُوِّن سليمًا في هرم أوناس، بينما ظهر *مهشمًا أو مشوهًا في الأهرامات التالية له مما يشير إلى نية متعمدة لإخفائه أو تحريفه، خاصة أنه لا نظير له في النصوص الهيروغليفية المعروفة.
وبتحليل دلالاته اللغوية:* “سفرت” : تعني “الكلام القديم” أو “الحديث المقدس”،* “حتبت” : تُترجم إلى “الميلاد” أو “القرابين”،* “مجات” (من لغة البردي): تعني “كتاب” أو “صحف”.
ويظهر هنا جذر الكلمة العربية “سفر” – في معناها الديني والنصي – متجذرًا في اللغة والعقيدة المصرية القديمة، وذلك قبل ظهور هذا المصطلح في الديانات التوحيدية اللاحقة. _القراءة من الداخل… أم من الخارج؟_
من أبرز ما توصلت إليه الباحثة، هو أن علماء الغرب – عمداً – اعتمدوا قراءة نصوص هرم أوناس من الداخل إلى الخارج ، بالمخالفة للقاعدة الأثرية الثابتة التي تُقرّ بأن قراءة النقوش تبدأ من الخارج إلى الداخل، حيث يكون موضع اسم صاحب الأثر أو عنوان النص، بما في ذلك تاريخه وغايته.
هذا التلاعب، بحسب الشافعي، كان له هدف واضح: *طمس اسم النص الحقيقي ، وإعاقة أي محاولة لفهمه كـ”كتاب مقدس” أو “سفر”، مما يمنع تتبع جذوره وربطه بالعقيدة المصرية الأصيلة.