هرم يا واد يا مزيكا

النجم الكبير نجاح الموجي – رحلة فنية حافلة بالإبداع والعطاء

بقلم: خالد سالم

في عالم الفن المصري، تبرز أسماء قليلة تحمل في طياتها عبق التاريخ وروح الأصالة المصرية الحقيقية. ومن بين هذه الأسماء اللامعة، يقف اسم النجم الكبير نجاح الموجي شامخاً كعلامة فارقة في تاريخ الدراما والسينما المصرية.

حياته الشخصية والنشأة

نشأ نجاح الموجي في أسرة كبيرة مكونة من 14 شقيق وشقيقة، توفي منهم 11 وعاش ثلاثة فقط. وكان متزوجاً من ابنة عمه.

عانى نجاح الموجي في طفولته من التنمر، حيث كان الأطفال يسخرون من نحافته الشديدة ويطلقون عليه اسم “قرقر”. رغم هذه المعاناة، عشق الفن منذ صغره وحاول التقدم للمعهد العالي للفنون المسرحية عدة مرات.

الحياة الزوجية والأسرية

تزوج نجاح الموجي من السيدة عائشة فريد عوض، وكان أباً حنوناً ومتفهماً مع بناته. كما روت ابنته آيتن في أحد اللقاءات: “كان أب سبور ومتحضر، دايماً بيتكلم معانا وبيسمعنا، وصحابنا كانوا بيحبوه”.

كان لنجاح الموجي دور في محاولة إنقاذ والده عندما تعرض للأزمة القلبية، حيث حاولت ابنته طلب سيارة الإسعاف لكنها كانت معطلة، فاضطرت للبحث بنفسها عن طبيب، وعندما وجدته وعادت للمنزل وجدته قد فارق الحياة.

مسيرة فنية حافلة بالتنوع

نجاح الموجي (11 يونيو 1945 – 25 سبتمبر 1998)، ممثل مصري كوميدي راحل واسمه الحقيقي عبد المعطي محمد الموجي. ولد في قرية ميت الكرماء التابعة لمركز طلخا بمحافظة الدقهلية، وقد اتخذ اسمه “نجاح” من اسم شقيقه الأكبر عرفاناً له لدعمه وتشجيعه الدائم.

بدأ الموجي حياته مع ثلاثي أضواء المسرح في أواخر الستينات، عندما أسند إليه المخرج محمد سالم والفنان جورج سيدهم دورًا هامًّا في مسرحية “فندق الأشغال الشاقة” عام 1969. حصل على درجة البكالوريوس في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ولم يترك وظيفته في هذا المجال إلى جانب عمله الفني.

تميزت مسيرة نجاح الموجي الفنية بالتنوع والثراء، حيث شملت الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية. كان فناناً متكاملاً يجيد التنقل بين مختلف الأشكال الفنية بسلاسة ومهارة عالية، مما جعله واحداً من أبرز نجوم جيله.

أعمال مميزة وإنجازات فنية

من أبرز أعماله في التلفزيون مسلسل “أهلاً بالسكان” عام 1984، والذي ترك بصمة واضحة في ذاكرة الجمهور. كما شارك في العديد من الأفلام المهمة مثل “الكيت كات”، “أيام الغضب”، “البحر بيضحك ليه”، “التحويلة”، “زيارة السيد الرئيس”، “المساطيل”، و”أربعة في مهمة رسمية”.

حصل نجاح الموجي على عدة جوائز خلال مسيرته الفنية، أهمها جائزة أحسن ممثل من مهرجان دمشق عن دوره في فيلم “أيام الغضب” من إخراج منير راضي، والذي يعتبره النقاد نقلة نوعية في مسيرته الفنية.

“اعترافات عنايات” – تجربة إبداعية استثنائية

كان لي الشرف في إخراج مسلسل “اعترافات عنايات” والذي شارك فيه نجاح الموجي ببطولته المميزة. هذا المسلسل، الذي يُعتبر أول عمل درامي أخرجته، كان بمثابة رحلة استكشافية لإمكانيات هذا النجم الجبارة في الأداء التمثيلي.

قدرات تمثيلية متعددة الأوجه

ما يميز نجاح الموجي هو تلك القدرة الفريدة على الانتقال بين مختلف أنواع الأداء دون أن يفقد صدقيته أو تأثيره. في “اعترافات عنايات”، استطعت أن أظهر جوانب متعددة من شخصيته الفنية:

الجانب الإنساني

أظهر نجاح الموجي في المسلسل عمقاً إنسانياً لافتاً، حيث تعامل مع المشاعر والعواطف الإنسانية بحساسية عالية وصدق فني يلامس القلوب.

التراجيديا

في اللحظات الدرامية الحزينة، كان أداؤه مؤثراً إلى درجة أن المشاهد يشعر بالألم الحقيقي للشخصية. هذه القدرة على نقل المأساة بصدق هي إحدى أهم مميزاته كممثل.

الكوميديا السوداء

ولعل أكثر ما أعجبني في أدائه هو مهارته في تقديم الكوميديا السوداء، ذلك النوع الصعب من الكوميديا الذي يحتاج إلى حس فني راقٍ وقدرة على التوازن بين الضحك والألم.

مثال للجدعنة المصرية الأصيلة

لم يكن نجاح الموجي مجرد ممثل بارع، بل كان أيضاً مثالاً حياً للجدعنة المصرية الأصيلة. كان يدعم الشباب والمواهب الجديدة بكل ما أوتي من قوة، ولم يتردد في مد يد العون للمبدعين الشباب مثلي.

شخصيته وعلاقاته الفنية

كان نجاح الموجي معروفاً بشخصيته الطيبة وروحه المصرية الأصيلة. لم يكن يتردد في دعم الشباب والمواهب الجديدة، كما كان يحرص على تقديم أعمال مختلفة مبنية على قناعاته الفنية، محاولاً الابتعاد قدر الإمكان عن أفلام المقاولات.

رغم نجاحه الفني الكبير، واجه الموجي بعض التحديات في حياته المهنية، حيث تعرض للحبس لمدة 15 يوماً في إحدى المراحل، كما مر بفترات من الصعوبات المالية. لكن إيمانه بالفن ومثابرته جعلته يتجاوز هذه الصعوبات.

التواضع والاحترافية

رغم مكانته الفنية الرفيعة، كان نجاح الموجي مطيعاً للمخرج ومتعاوناً معه بشكل استثنائي. حتى عندما كان يتعامل مع مخرج مبتدئ مثلي في “اعترافات عنايات”، أظهر احترافية عالية وتواضعاً جماً، مما جعل العمل معه تجربة ثرية ومفيدة.
وكنا نجهز لمشروع جديد من تأليف الكاتب الصحفي الكبير. جمعه قابيل
مسلسل لشهر رمضان للتلفزيون المصري بعنوان تاكسي نجاح
اخراج خالد سالم لكن العمر لم يمهله و لم يمهلنا اضافة عمل درامي للفنان المخلص للدراما المصرية

إرث فني خالد

كانت وفاة نجاح الموجي مأساوية بقدر ما كانت حياته مليئة بالكفاح والعطاء. رحل عن عالمنا في 25 سبتمبر 1998 إثر أزمة قلبية مفاجئة بعد عودته من المسرح، وقد ظل يصرخ طالباً النجدة قبل أن يفارق الحياة عن عمر يناهز 53 عاماً.

بعد وفاته، قامت زوجته السيدة عائشة فريد عوض بإهداء بعض من مقتنياته الشخصية لمتحف “الفن المصري لرموزه ورواده” التابع للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون، كنوع من التكريم لذكراه وإرثه الفني.

اليوم، ونحن نستذكر هذا النجم الكبير، نقول: “الله يرحمك يا نجاح الموجي”. لقد تركت بصمة واضحة في تاريخ الفن المصري، وستبقى أعمالك شاهداً على موهبتك الفذة وعطائك الغني.

إن نجاح الموجي لم يكن مجرد ممثل، بل كان مدرسة فنية متكاملة، وقدوة في الأخلاق والتعامل. وستبقى ذكراه وأعماله محفورة في قلوب محبيه وفي تاريخ الفن المصري الأصيل.

*”هرم يا واد يا مزيكا” – مع اعترافات عنايات