في زمن باتت فيه لوحة “احترس السيارة ترجع للخلف” أبلغ تعبير عن حالنا اليوم ، لا تتعجب إن رأيت القيم تتراجع، والمبادئ تترنح، والحياء يلوح مودعا على الرصيف، بينما الرجولة تضع حقيبتها وتغادر المحطة……
نعم، السيارة ترجع إلى الخلف… ولم يبقَ في المرآة إلا ماضٍ كنا نظنه بداية التقدم، فإذا به قمة الانحدار. فكيف للرجال أن يصبحوا بلا صفات؟ لا شهامة، لا كلمة تُحترم، لا موقف يُبنى عليه رجاء. بات “الجدع” عملة نادرة، فإن وجدته، إما أن يكون تمثالًا من زمن فات، أو دورًا تمثيليًا على منصات التواصل ،
وأما النساء، فلا تسل عن حياء كنّ يتوشحن به. الحياء صار “موضة قديمة”، والجرأة الزائدة أصبحت عنوانًا للحداثة، حتى بات الحياء نفسه يعتذر عن كونه لم يعد يواكب الزمن.
أما الدراما، فلا تُعرض فيها اليوم قصص الطيبين ولا تضحيات المكافحين. ما يُباع ويُشاهد ويُهلل له هو البلطجي، والراقصة، والطبّال، وبائع المخدرات، وسفّاح الشوارع. دراما الدم والعنف والبذاءة… كأن الفضيلة أصبحت إعلانا مضادًا للمشاهدة.
والسؤال: كيف نُربي جيلًا وسط هذه المعمعة؟ من قدوته؟ بلطجي الشاشة؟ راقصة التيك توك؟ أم مغنّي “الهلس” الذي يتحدث عن الحب وكأنه شطيرة من أحد مطاعم الوجبات السريعة؟
نحن ببساطة نُسلم الأجيال القادمة لأنياب الضياع، ثم نسأل في حسرة: لماذا هذا الانحدار؟
صار الطعام والملبس شغلنا الشاغل، أما القيم والأخلاق والرحمة، فهي رفاهية لا يملكها الفقير ولا وقت لها لدى المنشغلين بالماركات والعزومات. التربية أصبحت ترفًا، والتعليم مجرد مرحلة إجبارية، والقدوة… صفحة مجهولة في كتاب الحياة.
عندما قرأت فى كل الأديان السماوية مصحف أو انجيل عهد قديم جديد اتفقت على التسامح، الأدب، الحب… لكنها صارت دروسًا نظرية لا تجد مكانًا في واقعٍ يغرق في الكراهية والقسوة.
هل سألت نفسك يومًا لماذا ترى شابًا صغيرًا مدمنًا مرميًا على الرصيف؟
لأننا جميعًا شاركنا في سقوطه: بمشاهداتنا، بصمتنا، بإعجابنا لكل ما هو تافه.
الانحلال لم يكن ضيفًا مفاجئًا، بل نحن من فرشنا له الأرض، وفتحنا له الباب، وقدمنا له القهوة.
الجار اختفى، كان بديل فى غياب الاب والام ، الأب غاب، الأم تاهت بين العمل والمطالب، والأخ الكبير صار مشغولًا بحساباته على انستجرام. دفء الأسرة أصبح منشورًا من زمن الأبيض والأسود.
احترسوا…
السيارة لا تزال ترجع إلى الخلف.
وإذا لم نضغط على فرامل القيم الآن، سنصطدم بجدارٍ لا نجاة بعده.
ارجوا كل من قرأ المقالة أن يشاركنا الرأى ،كيف لنا أن نوقف المهزلة هذه قبل فوات الاوان ؟
كل عام وانتم بخير 2025