في شتاء 1988 كنت ضابط مباحث (قسم الأزبكية)، وكالعادة كل ليلة كان لابد أن أقوم بجولة تفقدية في هذه المنطقة، التي تعد قلب القاهرة النابض الذي لا يغفو لحظة، حيث يمر فيها القادمون من الصعيد، وريف الدلتا، وأهل السواحل، وغيرهم من شتى بقاع مصر، كما تعج بالسياح والمتسكعين ومختلف مشارب البشر، وإذا بمساعدي وكان (أمين الشرطة حسن الشربيني) رحمه الله، الذي أعتبره من أهم الذين علموني (أصول الصنعة) يلفت انتباهي لها ، وكان مظهرها فعلاً مثيرًا للشك بعيون رجال الأمن، لأنها كانت ترتدي (بدلة جينز) ولا نعرف من قوامها النحيف (زمان) وسمرتها وطريقتها الشعبية في المشي إذا كانت (ولد أو بنت) لهذا استوقفتها وقبل أن أن أسألها عن (البطاقة) بادرها الأمين حسن بسؤال يستفز أي أنثى في العالم : (إنتي ولد أو بنت؟) مما اضطرني لاستبعاده عن مناقشتها (بشياكة لا تحرج الرجل) فهو وإن كان (أمين شرطة) لكنه كان مخضرمًا، ويخدم في المنطقة منذ ربع قرن ربما قبل أن أولد، المهم لم يكن معها أي تحقيق شخصية، ما اضطرنا لاصطحابها للقسم استنادًا لما يُسمى (قانون الاشتباه) وظلت بالفعل حتى الفجر حين تمكنت من الاتصال بأقاربها الذين أتوا من (حي القلعة) لضمانها على كفالتهم، ويشهد ربي أنني ــ رغم صغر سني حينها ــ كنت مهذبًأ معها، وحاولت ــ قدر المُستطاع ــ إبعاد سخافات أمناء الشرطة، والمخبرين المخضرمين، وحتى الجنود الريفيين الفضوليين عن أي محاولة لإهانتها، حتى إنها وصفتني حينها بأنني (ضابط Gentleman) وسعدت بهذا العبارة وقتها.
ظلت على تواصل معي حتى بعدما انتقلت لمواقع أمنية أخرى، ومع سطوعها في عالم النجومية، وتغيير مساري المهني من شرطي إلى صحفي توطدت بيننا الصلة أكثر وأعمق، وكنت أصفها بأنها (الواد صاحبي) ولم تكن تغضب أو تتحسس من مزاحي وهزاري معها، بالعكس كانت تتقبله بكل أريحية ومودة، ومضت الأيام سريعًا، ولم أعد منذ سنوات طويلة لا أتذكر عددها أعرف أي وسيلة للتواصل معها، إلا مرة وحيدة بالصدفة قابلتها في (نقابة الصحفيين) وتذكرتني، وشهادة لله والتاريخ أنها تعاملت معي بكل أريحية واحترام (معملتش عليا نجمة) لكن كما نعلم جميعا أن (الدنيا تلاهي) ومسارها لا يتوافق مع مساري، فأنا (محرر سياسي) صلتي بالفن لا تتجاوز التذوق ولست من المحررين المتخصصين في شؤونه وعلاقاته العامة والخاصة، ومازال الود قائمًا وأشهد غير مضطر لمجاملتها أنها طيبة وبنت بلد جدعة، ومسكينة حظها في الحياة الشخصية (مش أحسن حاجة) لكنها بكل تأكيد (نجمة) لها جمهور بالملايين، كما أشهد أنها من (أهل البر) وتعطف على الفقراء خاصة من النساء، وفقها الله في حياتها المهنية والخاصة،
كل عام وانتم بخير 2025