في قلب نيويورك الصاخبة، حيث تتقاطع ناطحات السحاب مع نبرات السياسة الحادة، برز اسم زوهران ممداني كأحد الوجوه الجديدة في التيار التقدّمي الأمريكي، بينما وجد نفسه في قلب معركة سياسية شرسة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ولد ممداني عام 1991 في كامبالا، أوغندا لعائلة من أصول هندية استقرّت في شرق إفريقيا قبل الهجرة إلى الولايات المتحدة. نشأ في بيئة متعدّدة الثقافات، وورث عن والده — الباحث المعروف محمود ممداني — نزعة فكرية نقدية واهتماماً بالعدالة الاجتماعية. وبعد سنوات من العمل المجتمعي والسياسي، أصبح عضواً في مجلس ولاية نيويورك (المنطقة 36) منذ عام 2021، ثم أعلن ترشحه لرئاسة بلدية نيويورك عن الحزب الديمقراطي.
يحمل ممداني رؤية سياسية تُجسّد ملامح اليسار التقدّمي الأمريكي؛ فهو يدعو إلى تجميد الإيجارات لمساعدة الفقراء، ونقل عام مجاني تدريجياً، ورعاية أطفال شاملة، مع تمويل هذه البرامج بفرض ضرائب إضافية على الشركات الكبرى وأصحاب الثروات. يرى في المدينة “بيتاً للجميع”، لا ملعباً للأغنياء فقط.
لكن هذه الطموحات وضعت الشاب ذي الملامح الهادئة في مواجهة مباشرة مع ترامب، الذي وصفه في أكثر من تصريح بأنه “شيوعي مئة بالمئة”، وشكّك في قانونية وجوده كمواطن، ملوّحاً بإمكانية قطع التمويل الفيدرالي عن نيويورك إن تولّى ممداني إدارتها. تصريحات أثارت انتقادات حادّة ووصفت بأنها “خطاب إقصائي” يكرّس التخويف من المهاجرين والمسلمين، لا سيّما أن ممداني مواطن أمريكي مُجنّس منذ عام 2018 بشكل قانوني تام.
في الحقيقة، لا تدور المعركة بين الرجلين حول شرعية الجنسية، بل حول شرعية الفكرة:
فترامب يمثّل اليمين الشعبوي المحافظ، المدافع عن السوق الحر والهوية الأمريكية التقليدية، بينما يجسد ممداني جيلاً جديداً يرى أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا بإعادة توزيع الموارد وفتح الأبواب أمام الفئات المهمّشة.
صراع ممداني وترامب إذن ليس صراعاً بين شخصين، بل بين مدينتين متخيلتين داخل أمريكا واحدة:
إحداهما تخشى التغيير وترى في كل صوت مهاجر تهديداً،
والأخرى تؤمن بأن التعددية هي قلب القوة الأمريكية.
ومهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة فى وجهة نظرى ، فقد وضع زوهران ممداني نفسه كرمزٍ لتحوّلٍ ديموغرافي وفكري في السياسة الأمريكية، عنوانه أن أبناء المهاجرين باتوا اليوم من يصنعون القرار، لا مجرد متفرجين عليه.



