بعض الأخطاء تمر كظل عابر، وأخرى تترك ندوباً لا تُمحى. فنحن لم نُخلق معصومين، بل خُلقنا لنُختبر بضعفنا الإنساني الذي يُعيد تشكيلنا كل مرة. ولأن كل شيءٍ قابل لإعادة التشغيل… حتى نحن، فإننا في كل أسبوع نأخذ لحظة تأمل، نراجع فيها عادةً، فكرةً، أو علاقةً، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت»… ونبدأ من جديد؟ لن أقول لك «لا تغلط»، فذلك محال. فالإنسان خُلق ناقصاً، يتعلم من عثراته كما ينمو من تجاربه. وحتى الأنبياء -عليهم السلام- وهم صفوة الخلق، وقعت منهم هفوات كانت دروساً في الوعي والتوبة. والفارق الجوهري ليس في الوقوع بالخطأ، بل في نوعه وأثره، فبعض الأخطاء تلتئم فتُعلم، وأخرى كالنار تأكل جذور الروح وتُفقدنا ملامحنا. اغلط، نعم، فكل ابنِ آدم خطاء، وخيرُ الخطّائين التوّابون. فهذه سنة الحياة وطبيعة النفس البشرية، لكن بعقلٍ وضمير. ارتكب من الأخطاء ما يُعلمك لا ما يُدمرك، فطريقة تعاملك مع خطئك هي ما تصنع الفارق بين من يتطهر منه، ومن يغرق في ظله. فثمة أخطاء تُشفى مع الوقت، وأخرى تترك أثراً لا يُمحى، كارتباط غير ناضج يخلف قلوباً تدفع ثمنه، أو خيانة تُسقط علاقةً كانت مأمناً وسلاماً. «اغلط بحكمة» تعني أن تُخطئ بعقلٍ واعٍ، لا أن تُدمر نفسك أو غيرك. فكر قبل أن تزلَّ، وتذكر أن خطأك يجب أن ينتهي عندك، لا أن يصبح قدراً لغيرك. قبل أن تُقدم على خطأ، توقف واسأل نفسك: هل تكفي كلمة «آسف» لمحو ما ستفعله؟ هل تستطيع أن تُعيد بها جسور المحبة والثقة التي هدمتها؟ فبعض الأخطاء لا تُصلحها الاعتذارات، لأنها تقتل شيئاً في القلب لا يُبعث بعد موته.
وجوهر «ريستارت» اليوم يكمن في التمييز بين نمطين من الأخطاء: الأول يسمى «تجارب قابلة للتداول»، وهي التي تُعلمك وتمنحك بصيرة وتزيدك وعياً، كقرار مهني خاطئ، أو استثمارٍ غير موفق، أو مساعدةٍ إنسانيةٍ وضعت في غير موضعها. فهذه تُداوى وتُنسى، وتتحول إلى رصيدٍ من الحكمة، وتستحق بعدها أن نضغط زر «ريستارت» بابتسامة. أما الثانية فهي «أخطاء الأثر الأبدي»، تلك التي لا تنتهي بانقضاء الموقف، بل تمتد لتورث وجعاً لغيرك وتثقل ميزانك إلى الأبد، كأكل مال اليتيم، أو ظلم الضعيف، أو خيانة الأمانة. فإن الخيانة، والغدر، والاستغفال، والظلم ليست نزواتٍ عابرة، بل شراراتٌ تُشعل دماراً لا ينطفئ ما لم يُصلحها صاحبها برد الحق وتحمل عواقبها بشجاعة. فهذه الأخطاء لا تُطفئ نور القلب فحسب، بل تسلب الطمأنينة ممن حولك. فالشر إن تُرك صغيراً يبتلع كل جميل، وخيانة وعدٍ واحدة قد تهدم صرحاً من الثقة، وكذبة واحدة كفيلة بأن تمحو سيرة عمر. فبعض الأخطاء تُدفن بالندم، وبعضها يبقى شاهداً عليك ما حييت. فلنضغط هذا الأسبوع زر «ريستارت»… لا لنعود إلى الوراء، بل لنتقدم بوعيٍ جديد، ندعوك من خلاله إلى تقنية مختلفة في قاموس التنمية الذاتية: إن أخطأت، فليكن بعقل وبحكمة، لنُراجع أنفسنا ونُصحح مسارنا، فنبتعد عن الزلات التي تترك أثراً لا يُمحى، ولنجعل من وعينا صمام أمان يقودنا إلى النضج دون أن نُؤذي بشراً، كل ذنبهم أنهم آمنوا فينا بالخير.
كل عام وانتم بخير 2025



