العنف ضد الزوجات لم يعد استثناءً، بل صار سلوكًا مستباحًا عند البعض، وكأن المرأة خُلقت لتُهان، وكأن البيت مكان للتأديب لا للسكن. الأخطر أن هذا العنف يُغلَّف بغطاء ديني زائف، يستشهدون بآية من القرآن مبتورة من سياقها ليبرّروا ما لا يقره دين ولا أخلاق. يلوّحون بقوله تعالى ﴿واضربوهن﴾ كأنه تصريح مفتوح للبطش، متجاهلين أن الآية وضعت علاجًا تدريجيًا لا يبدأ بالضرب ولا يقوم عليه، وأن “الضرب” في تفسير العلماء رمزي غير مُبرّح، أقرب للتنبيه لا للإيذاء أو الإهانة، وأن أي عنف جسدي مُحرم شرعًا ويستوجب العقاب إذا خلّف ضررًا.
يتناسون أن النبي ﷺ، وهو القدوة، لم يرفع يده على امرأة قط، وأن سيرته كلها كانت رحمة وتقديرًا واحترامًا للزوجة لا تسلطًا عليها. لكن البعض يريد دينًا على مقاس رغبته في السيطرة، فيقتطع النص ويشوّهه ليُشرعن فعلاً هو في الأصل خطيئة.
وتزداد الكارثة حين يتم التعامل مع العنف داخل الأسرة وكأنه “أسلوب تربية” أو “حق للرجل” أو “انضباط للأولاد”. بينما الحقيقة أن الضرب مرفوض تمامًا، سواء كان موجّهًا لزوجة، أو زوج، أو طفل. فالأذى ليس وسيلة تربية، والإهانة ليست طريقًا للسيطرة، والخوف لا يصنع أسرة سليمة. الطفل الذي يُضرب يفقد ثقته بنفسه قبل أن يفقد ثقته بأهله، والزوجة التي تُهان تنكسر إنسانيًا، والرجل الذي يتعرض للعنف يفقد احترامه في بيته. الأسرة التي يدخلها الضرب يخرج منها الأمن، وتتحول العلاقة من مودة ورحمة إلى ساحة صراع.
والحقيقة الثابتة التي لا جدال فيها أن الرجولة الحقيقية تبدأ من الاحترام؛ احترام المرأة، واحترام كرامتها، واحترام إنسانيتها. الرجل الذي يرفع صوته على زوجته قبل يده يعلن فشله، والذي يمد يده عليها يهدم رجولته بيده. فالضرب ليس قوة، بل ضعف مستتر. والقائد الحقيقي لبيته هو من يملك نفسه عند الغضب، لا من يملك قوة يده فقط.
ومن يتصور أن العنف يحفظ مكانة أو يبني بيتًا، فهو لا يدرك أن البيت الذي يُدار بالقهر بيتٌ مهدد بالسقوط، وأن المودة المنتزعة بالقوة لا تُنتج حبًا بل جرحًا ممتدًا. ومن يحتاج إلى الضرب ليُثبت أنه “رجل”… فقد خسر المعنى قبل أن يخسر البيت



