الإجابة حاسمة وواضحة: «نعم».. ولكن!!
نعم، هناك دعمٌ حكوميٌّ للصحفيين تحت بند «بدل التدريب والتكنولوجيا» يُصرف شهريًّا، وقد وُلد في الأصل كأداةٍ نبيلةٍ لتطوير المهنة، وتحديث مهارات الصحفيين، وربطهم بالعصر الرقمي، وحمايتهم من هشاشة سوق العمل، وكان تأسيسه وفلسفته أن يكون مستقلاً عن أجور الصحفيين، وبعيداً عن أيدي المسؤولين في الصحف القومية والحزبية والمستقلة، وألا يكون مكملاً لرواتب الصحفيين، وأن يكون منحة من الدولة لتدريب وتطوير الصحفيين.
إلا أنّ هذا البدل، حين غاب معه تطبيق قانون العمل وقانون الصحافة، وتراخت يدُ الدولة في مراقبة التزام المؤسسات الصحفية بأجور الصحفيين والحدّ الأدنى للأجور، تحوّل من وسيلةٍ للنهوض بالمهنة إلى أداةٍ لتدميرها؛ وبوّابةٍ خلفيةٍ للاسترزاق. وبات «البدل» سيفًا مُسلَّطًا على رقاب الصحفيين المهنيين، ووسيلةً لابتزازهم وإجبارهم على العمل بلا راتبٍ مقابل استمرار صرف «البدل»، بينما تحوّل في المقابل إلى غنيمةٍ لتجّار وسماسرة «البدل»!
وتحت مظلة هذا الغياب الرقابي، ابتكرت مؤسساتٌ صحفية حِيَلًا فَجّة للاستيلاء على البدل كليًا أو جزئيًا؛ فبعض المؤسسات القومية قامت بإدراج البدل ضمن هيكل الأجور لتضخيم «شكل» مرتب الصحفي على الورق، والالتفاف على الحدّ الأدنى للأجور، وجعلت البدل «مُكمّلًا» للحدّ الأدنى بدلًا من أن يكون إضافةً مستقلةً للتطوير.
وليس هذا فحسب، بل إن بعض المؤسسات فرضت على «البدل» رسومًا تُستقطع بكل «بجاحة» من قوت الصحفيين لصالح المؤسسة؛ وهي ممارسة لا يمكن وصفها إلا بأنها خطأ مالي وإداري وقانوني جسيم، لأن البدل منحةٌ خارج نطاق الأجور، ولا يجوز تحميله على بند المرتبات أو احتسابه جزءًا من الراتب المستحق.
وفي بعض الصحف المستقلة والحزبية، بلغ العبث ذروته بتحويل «البدل» إلى راتبٍ بديلٍ كامل؛ فحجبت الأجور بشكل كامل أو فُرِّغته من مضمونها، واكتفت تلك المؤسسات بصرف مرتباتٍ شكليةٍ تتراوح بين 1000 و3000 جنيه.
والأسوأ أن مؤسساتٍ أخرى دفعت صحفيين للعمل بلا رواتب ولا تأمينات ولا مكافآت، مقابل استمرار صرف «البدل»؛ وكأن الصحفي مطلوبٌ منه أن يكتب ويُحقّق ويُخاطر، ثم يُكافأ على ذلك بالحدّ الأدنى من البقاء لا بالحدّ الأدنى من العدالة.



