شهدت مدينة لوس أنجلوس تصعيدًا دراماتيكيًا بين السلطات الفيدرالية وسكان الولاية، على خلفية مداهمات نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، والتي أسفرت عن اعتقال العشرات، معظمهم من المقيمين غير الموثقين.
بدأت الأحداث بتجمّعات احتجاجية تنديدًا بما وصفه النشطاء بـ”الممارسات القمعية” لسلطات الهجرة. سرعان ما تحولت هذه التجمعات إلى مواجهات عنيفة، شهدت قطع الطرقات، إشعال النيران، وإلقاء المقذوفات على قوات الشرطة، التي ردّت باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي
في خطوة وُصفت بأنها استثنائية وخطيرة، أصدر دونالد ترامب قرارًا بنشر أكثر من 4000 عنصر من الحرس الوطني وقوات مشاة البحرية (Marines)، بدعوى “استعادة النظام”. إلا أن هذا التدخل قوبل باعتراضات حادة من قبل مسؤولي ولاية كاليفورنيا، الذين اعتبروه تجاوزًا لصلاحيات الحكم المحلي، وتهديدًا لمبدأ الفصل بين السلطات.
سارع حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسوم، والمدعي العام، روب بونتا، إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية، معتبرين نشر القوات دون إذنٍ من الولاية انتهاكًا للدستور. وقال نيوسوم في مؤتمر صحفي: “ما حدث ليس فرضًا للنظام، بل فرضٌ للهيمنة”.
لم تَسلم الصحافة من نيران التوتر، فقد تم اعتقال مراسل شبكة CNN جيسون كارول أثناء تغطيته الميدانية، رغم تعريفه بنفسه كصحفي. كما أصيب مصوّر من صحيفة “نيويورك بوست” في رأسه بطلق مطاطي، في حين تعرّضت صحفية أسترالية لإصابة في الساق. هذه الحوادث أثارت انتقادات دولية، وسط دعوات لحماية حرية التغطية الإعلامية، خصوصًا في أوقات الأزمات.والسؤال هنا : هل تعود الدولة العميقة؟
تكشف هذه الأحداث عن مفارقة عميقة في النظام الفيدرالي الأمريكي، حيث تتحوّل الولاية من كيان إداري مستقل إلى ساحة صراع مفتوح بين اتجاهين سياسيين متنافرين: أحدهما يميل نحو تشديد القبضة الأمنية، والآخر يتبنى خطاب الحقوق والحريات.
كما تطرح الأزمة تساؤلات ملحّة حول حدود تدخل الحكومة الفيدرالية في الشؤون المحلية، ومدى احترام مبادئ القانون والدستور عند التعامل مع الأزمات.
ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها لوس أنجلوس اشتعالًا اجتماعيًا، لكن ما يميز هذه الجولة هو حدة المواجهة القانونية والسياسية بين الولاية والبيت الأبيض، وانكشاف هشاشة العلاقة بين الأمن والحقوق في المشهد الأمريكي المعاصر.
إنّ ما يحدث في لوس أنجلوس اليوم ليس مجرد صراع محلي، بل مؤشر على تحولات أعمق في بنية الدولة، وعلاقة المواطن بالمؤسسة الأمنية، ودور الصحافة في زمن الاستقطاب.