بقلم: الإعلامي خالد سالم
في ظل تزايد ضحايا الحوادث المرورية التي تحصد أرواح الأبرياء على الطرق المصرية والعربية، تظل ظاهرة السير عكس الاتجاه واحدة من أخطر الممارسات التي تهدد السلامة العامة. وفي الوقت الذي تُبذل فيه جهود لتحسين البنية التحتية، يبقى الخطر الحقيقي في سلوكيات بعض السائقين، ممن يرون في القانون مجرد رأي، وفي حياة الآخرين مجرد لحظة مجازفة.
عندما نتحدث عن “عكس الاتجاه”، فنحن لا نصف فقط مخالفة مرورية، بل نشير إلى ظاهرة تتجاوز في خطورتها الحدود التقليدية للمخالفات. إنها رعونة تقود إلى المقابر، وتهور يحول الطرق إلى فخاخ موت.
وفقًا لتقارير الإدارة العامة للمرور، فإن نسبة كبيرة من الحوادث القاتلة في مصر سببها السير عكس الاتجاه، حيث تشهد بعض المحافظات قرابة 150 حادثًا سنويًا من هذا النوع، أغلبها يؤدي إلى وفيات مباشرة.
ما الذي يدفع شخصًا إلى المخاطرة بحياته وحياة الآخرين؟ أهو استعجال اللحاق بموعد؟ أم مجرد إحساس باللامبالاة؟ أم ثقافة مغلوطة مفادها أن “كل الناس بتعمل كده”؟! للأسف، كل هذه الأسباب تؤدي إلى نتيجة واحدة: كارثة إنسانية.
الطريق ليس فقط وسيلة انتقال، بل مسؤولية أخلاقية. حين يختار شخص أن يسير عكس الاتجاه، فهو ينقلب على القانون والمجتمع والضمير في آنٍ واحد. وقد رأينا بأعيننا مشاهد مروعة لسيارات تدهس أسرًا، أو تصطدم بحافلات مدرسية، فقط لأن سائقًا أراد توفير بعض الوقت، فضيّع أرواحًا لن تعود.
الحل لا يكمن فقط في تحرير مخالفة أو خصم نقاط من الرخصة. بل نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة:
حملات توعية مجتمعية وإعلامية.
تركيب كاميرات مراقبة على الطرق الفرعية والرئيسية.
فرض غرامات مضاعفة على السير عكس الاتجاه تصل إلى حد السجن و سحب الرخصة نهائيًا في الحالات المتكررة.
تشجيع المواطنين على التبليغ الفوري عن المخالفين عبر تطبيقات ذكية.
والمطلوب أيضًا، أن يكون للإعلام دور في صناعة وعي مروري، وليس فقط نقل صور الحوادث بعد وقوعها. نحن بحاجة إلى أن نُعيد تعريف الطريق على أنه مساحة مشتركة للبقاء، لا للمخاطرة.
من يسير عكس الاتجاه لا يهدد نفسه فقط، بل هو قنبلة متحركة في قلب الشارع. فليكن شعارنا جميعًا:
“من اختار الطريق.. فليحترم اتجاهه، ويحترم حياة من يسيرون عليه.”
